فصل: حرف الهمزة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> ما ذكرته آنفاً من أن عذاب الكفار في جهنم دائم أبداً هو ما دلت عليه الآيات والأحاديث وأطبق عليه جمهور الأئمة سلفاً وخلفاً‏.‏ ووراء ذلك أقوال يجب تأويلها‏.‏ فمنها ما ذهب إليه الشيخ محي الدين بن العربي أنهم يعذبون فيها مدة ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم فإن الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثنى عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز ‏{‏فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله‏}‏ لم يقل وعيده بل قال ويتجاوز عن سيئاتهم مع أنه توعد على ذلك وأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد وقد زال الإمكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح‏:‏

فلم يبق إلا صادق الوعد وحده * وما لوعيد الحق عين تعاين * وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم

على لذة فيها نعيم مباين * نعيم جنان الخلد والأمر واحد * وبينهما عند التجلي تباين

يسمى عذاباً من عذوبة طعمه * وذاك له كالقشر والقشر صاين

وقال في موضع آخر‏:‏ إن أهل النار إذا دخلوها لا يزالون خائفين مترقبين أن يخرجوا منها فإذا أغلقت عليهم أبوابها اطمأنوا لأنها خلقت على وفق طباعهم‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ وهذا في طرف، والمعتزلة القائلون بأنه يجب على الله تعذيب ‏[‏ص 40‏]‏ من توعده بالعذاب في طرف فأولئك عندهم لا ينجو من النار من دخلها أصلاً وهذا عنده لا يعذب بها أصلاً، والقولان مخالفان لما علم بالاضطرار أن الرسول جاء به وأخبر به عن الله انتهى‏.‏ وما ذكره من أن ابن العربي يقول إنه لا يعذب بها أصلاً ممنوع فإن حاصل كلامه ومتابعيه أن لأهل النار الخالدين فيها حالات ثلاث الأولى أنهم إذا دخلوها سلط العذاب على ظواهرهم وبواطنهم وملكهم الجزع والاضطراب فطلبوا أن يخفف عنهم العذاب أو أن يقضى عليهم أو أن يرجعوا إلى الدنيا فلم يجابوا، والثانية أنهم إذا لم يجابوا وطنوا أنفسهم على العذاب فعند ذلك رفع الله العذاب عن بواطنهم وخبت نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة‏.‏ والثالثة أنهم بعد مضي الأحقاب ألفوا العذاب واعتادوه ولم يتعذبوا بشدته بعد طول مدته ولم يتألموا به وإن عظم إلى أن آل أمرهم إلى أن يتلذذوا به ويستعذبوه حتى لو هبت عليهم نسيم من الجنة استكرهوه وعذبوا به كالجعل وتأذيه برائحة الورد‏:‏ عافانا الله من ذلك‏.‏ ومنها قول جمع إن النار تفنى فإن الله تعالى جعل لها أمداً تنتهي إليه ثم يزول عذابها لقوله تعالى ‏{‏خالدين فيها إلا ما شاء الله}‏ ‏{‏خالدين فيها مادامت السماوات والأرض‏}‏{‏لابثين فيها أحقابا‏}‏ قال هؤلاء‏:‏ وليس في القرآن دلالة على بقاء النار وعدم فنائها إنما الذي فيه أن الكفار خالدون فيها وأنهم غير خارجين منها وأنهم لا يفتر عنهم العذاب وأنهم لا يموتون فيها وأن عذابهم فيها مقيم وأنه غرام لازم‏.‏ وهذا لا نزاع فيه بين الصحابة والتابعين إنما النزاع في أمر آخر وهو أن النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء وأما كون الكفار لا يخرجون منها ولا يدخلون الجنة فلم يختلف فيه أحد من أهل السنة‏.‏ وقد نقل ابن تيمية القول بفنائها عن ابن عمر وابن عمرو وابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس وأنس والحسن البصري وحماد بن سلمة وغيرهم روى عبد بن حميد بإسناد رجاله ثقات عن عمر‏:‏ لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه‏.‏ وروى أحمد عن ابن عمرو بن العاص‏:‏ ‏"‏ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد‏"‏ وحكاه البغوي وغيره عن أبي هريرة وغيره‏.‏ وقد نصر هذا القول ابن القيم كشيخه ابن تيمية وهو مذهب متروك وقول مهجور لا يصار إليه ولا يعول عليه‏.‏ وقد أوّل ذلك كله الجمهور وأجابوا عن الآيات المذكورة بنحو عشرين وجهاً وعما نقل عن أولئك الصحب بأن معناه ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين أما مواضع الكفار فهي ممتلئة منهم لا يخرجون منها أبداً كما ذكره الله تعالى في آيات كثيرة‏.‏ وقد قال الإمام الرازي‏:‏ قال قوم إن عذاب الله منقطع وله نهاية واستدلوا بآية‏:‏ ‏{‏لابثين فيها أحقابا‏}‏ وبأن معصية الظلم متناهية فالعقاب عليها بما لا يتناهى ظلم والجواب أن قوله ‏"‏أحقابا‏"‏ لا يقتضي أن له نهاية لأن العرب يعبرون به وبنحوه عن الدوام‏.‏ ولا ظلم في ذلك لأن الكافر كان عازماً على الكفر ما دام حياً فعوقب دائماً فهو لم يعاقب بالدائم إلا على دائم فلم يكن عذابه إلا جزاء وفاقاً

- ‏(‏حط في‏)‏ كتاب ‏(‏رواه مالك‏)‏ أي في كتاب أسماه من روى عن مالك من وجهين من حديث عبد الله بن الحكم عن مالك عن نافع ‏(‏عن‏)‏ عبد الله ‏(‏ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ومن حديث جامع ابن سوار عن زهير بن عباد عن أحمد بن الحسين اللهبي عن عبد الملك ابن الحكم ورواه الدارقطني من هذين الوجهين في غرائب مالك‏.‏ ثم قال‏:‏ هذا حديث باطل وجامع ضعيف وكذا عبد الملك انتهى‏.‏ وأقره عليه في اللسان‏.‏ وقال في الفتح فيه عبد الملك وهو واه ورواه العقيلي من طريق ضعيف عن أنس‏.‏ وما جرى عليه المؤلف من أن سياق الحديث هكذا هو ما وقفت عليه من خطه من نسخ هذا الكتاب‏.‏ والثابت في رواية الخطيب خلافه ولفظه‏:‏ آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة‏:‏ عند جهينة الخبر اليقين، سلوه هل بقي أحد من الخلائق يعذب‏؟‏ فيقول لا‏.‏ انتهى‏.‏ ومثله الدارقطني وهكذا أورده عنه المصنف في جامعه الكبير‏.‏ ثم قال‏:‏ قال الدارقطني باطل وأقره عليه‏.‏ وقد أكثر المؤلف في هذا الجامع من الأحاديث الضعيفة‏.‏ قال ابن مهدي‏.‏ لا ينبغي الاشتغال بكتابة أحاديث الضعفاء فإن أقل ما يفوته أن يفوته بقدر ما كتب من حديث أهل الضعف من حديث الثقات‏.‏ وقال ابن المبارك‏:‏ لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمه اهـ ‏.‏ على أنه كان ينبغي له - أي المؤلف - أن يعقب كل حديث بالإشارة بحاله بلفظ ‏[‏ص 41‏]‏ صحيح أو حسن أو ضعيف في كل حديث فلو فعل ذلك كان أنفع وأصنع ولم يزد الكتاب به إلا وريقات لا يطول بها‏.‏ وأما ما يوجد في بعض النسخ من الرمز إلى الصحيح والحسن والضعيف بصورة رأس صاد وحاء وضاد فلا ينبغي الوثوق به لغلبة تحريف النساخ على أنه وقع له ذلك في بعض دون بعض كما رأيته بخطه فكان المتعين ذكر كتابه صحيح أو حسن أو ضعيف في كل حديث، قال الحافظ العلائي على من ذكر حديثاً اشتمل سنده على من فيه ضعف أن يوضح حاله خروجاً عن عهدته وبراءة من ضعفه انتهى وابن عمر هو العلم الفرد أحد العبادلة الأربعة‏.‏ قال جابر‏:‏ ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا هو، وذكر الخلافة يوم موت أبيه فقال بشرط أن لا يجري فيها محجم دم، مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين رضي الله عنه‏.‏

4 - ‏(‏آخر قرية‏)‏ بفتح القاف وكسرها كما في تاريخ السمهودي من القرى وهو الجمع سميت به لاجتماع الناس فيها ‏(‏من قرى الإسلام خراباً ‏:‏ المدينة‏)‏ النبوية علم لها بالغلبة فلا يستعمل معرفاً إلا فيها والنكرة اسم لكل مدينة من مدن بالمكان أقام به أو من دان إذا أطاع إذ يطاع السلطان فيها وهي أبيات كثيرة تجاوز حد القرى ولم تبلغ حد الأمصار ونسبوا للكل مديني وللمدينة النبوية مدني للفرق كذا قرره جمع‏.‏ فإن قلت‏:‏ ما ذكروه من أنها تجاوز حد القرى بينه وبين هذا الحديث تعارض حيث جعلها من القرى‏؟‏ قلت‏:‏ كلا فإنها كانت في صدر الإسلام قبل الهجرة لا تجاوز حد القرى وكان إذ ذاك الإسلام إنما في في القرى ولم ينتشر في المدن والأمصار فلما هاجر المسلمون إليها واتسع الإسلام تجاوزت حد القرى فغلب عليها حينئذٍ اسم المدينة، والخراب ذهاب العمارة والعمارة إحياء المحل وشغله بما وضع له، ذكره الحراني‏.‏ وفي الكشاف التخريب والإخراب الإفساد بالنقص والهدم قيل وفيه أن بلاده لا تزال عامرة إلى آخر وقت وأنت تعلم أنه لا دلالة في هذا الخبر إذ لا تعرض فيه بكون ديار الكفر تخرب قبل خراب قرى الإسلام التي آخرها خراباً المدينة، نعم يؤخذ منه ذلك بضميمة الخبر الآتي بعده ومن ثم حسن تعقيبه به وبه يعلم أن ذكر الإسلام لا مفهوم له على أن عيسى بعد نزوله يرفع الجزية ويقتل الكفرة فتصير الكل دار إسلام

- ‏(‏ت‏)‏ في أواخر جامعة ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وقال‏:‏ حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جنادة بن مسلم وقد رمز المصنف لضعفه وهو كما قال فإن الترمذي ذكر في العلل أنه سأل عنه البخاري فلم يعرفه وجعل يتعجب منه‏.‏ وقال‏:‏ كنت أرى أن جنادة هذا مقارب الحديث انتهى‏.‏ وقد جزم بضعف جنادة المذكور جمع منهم المزني وغيره‏.‏ قال السبكي كغيره‏:‏ وإذا ضعف الرجل في السند ضعف الحديث من أجله ولم يكن فيه دلالة على بطلانه من أصله ثم قد يصح من طريق أخرى وقد يكون هذا الضعيف صادقاً ثبتاً في تلك الرواية فلا يدل مجرد تضعيفه والحمل عليه على بطلان ما جاء في نفس الأمر انتهى‏.‏ قالوا‏:‏ وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر وإن كثرت طرقه ومن ثم اتفقوا على ضعف حديث ‏"‏من حفظ على أمتي أربعين حديثاً‏"‏ مع كثرة طرقه لقوة ضعفه وقصورها عن الجبر بخلاف ما خف ضعفه ولم يقصر الجابر عن جبره فإنه ينجبر ويعتضد‏.‏

5 - ‏(‏آخر من يحشر‏)‏ بالبناء للمجهول أي يموت‏.‏ قال عكرمة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا الوحوش حشرت‏}‏ حشرها موتها أو المراد آخر من يساق إلى المدينة كما في لفظ رواية مسلم والحشر‏.‏ كما قال القاضي‏:‏ السوق من جهات مختلفة إلى مكان واحد وأصله الجمع والضم المتفرق‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ الحشر سوق الناس إلى المحشر‏.‏ وقال الحراني‏:‏ الجمع وغيره‏.‏ وقال الراغب‏:‏ إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم ‏(‏راعيان‏)‏ تثنية راع وهو حافظ الماشية‏.‏ قال الراغب‏:‏ والرعي في الأصل حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته أو بذب العدو عنه يقال رعيته أي حفظته فسمي كل سائس لنفسه أو لغيره ‏[‏ص 42‏]‏ ‏(‏راعياً من مزينة‏)‏ بالتصغير قبيلة من مضر معروفة وفي رواية ‏"‏رجل من جهينة وآخر من مزينة‏"‏ وفي رواية أنهما كانا ينزلان بجبل ورقان ‏(‏يريدان‏)‏ أي يقصدان ‏(‏المدينة‏)‏ الشريفة أي المدينة الكاملة التي تستحق أن يقال لها مدينة على الإطلاق كالبيت للكعبة ولها نحو مئة اسم منهما طابة وطيبة مشدّدة ومخففة وطايب ككاتب ودار الأخيار ودار الأبرار ودار الإيمان ودار السنة ودار السلامة ودار الفتح ودار الهجرة‏.‏ وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى‏.‏ قال النووي‏:‏ لا يعرف في البلاد أكثر أسماء منها ومن مكة ‏(‏ينعقان‏)‏ بفتح المثناة تحت وسكون النون وكسر العين المهملة‏.‏ قال الكشاف‏:‏ النعيق التصويت يقال نعق المؤذن ونعق الراعي صوّت ‏(‏بغنمهما‏)‏ يزجرانها بأصواتهما ويسوقانها يطلبان الكلأ وفيه إشارة إلى طول أملهما وأن ما وقع من أشراط الساعة لم يشغلهما عن الشغل بالمعاش والاهتمام بالأمور الدنيوية ويحتمل أنهما قصداها بماشيتهما للإقامة بها مع أهل الإيمان للحماية من أهل الطغيان ولعل الغنم مشتركة فلذلك لم يثنها ‏(‏فيجدانها‏)‏ أي الغنم والفاء تعقيبية ‏(‏وحوشاً‏)‏ بضم أوله بأن ينقلب ذواتها أو بأن تتوحش فتنفر من صياحهما أو الضمير للمدينة والواو مفتوحة روايتان أي يجدان المدينة خالية ليس فيها أحد‏.‏ والوحش الخلاء أو سكنها الوحش لانقراض سكانها‏.‏ قال النووي‏:‏ وهو الصحيح والأول غلط وتعقبه ابن حجر بأن قوله ‏(‏حتى إذا بلغا‏)‏ أي الراعيان ‏(‏ثنية الوداع‏)‏ أي انتهيا إليها يؤيد الأول لأن وقوع ذلك قبل دخول المدينة‏.‏ وأقول‏:‏ هذا غير دافع لترجيح النووي إذ إحاطهما بخلو المدينة من سكانها ومصيرها مسكن الوحوش لا يتوقف على دخولها بل يحصل العلم به بالقرب منها والإشراف على حريمها وهذا أمر كالمحسوس وإنكاره مكابرة والبلاغ والإبلاغ الانتهاء إلى المقصد‏.‏ وثنية الوداع بمثلثة وفتح الواو‏:‏ ومحل عقبة عند حرم المدينة سمي به لأن المودعين يمشون مع المسافر من المدينة إليها وهو اسم قديم جاهلي كذا ذكره القاضي تبعاً لعياض وغيره‏.‏ وفي تاريخ السمهودي‏:‏ هي معروفة بباب المدينة خلف سوقها القديم بين مسجد الراية ومسجد النفس الزكية قرب سلع ووهم من قال هي من جهة مكة سميت به لتوديع النساء اللاتي استمتعوا بهن فيها عند رجوعهم من خيبر أو خروجهم إلى تبوك وفي رواية ‏"‏ما كان أحد يدخل المدينة إلا منها‏"‏ فإن لم يعبر منها مات قبل أن يخرج لوبائها كما زعمت اليهود فإذا وقف عليها قيل قد ودع فسميت به وقيل لوداع النبي صلى الله عليه وسلم بعض المسلمين بالمدينة في بعض خرجاته وقيل ودع فيها بعض سراياه وقيل غير ذلك ‏(‏خرا على وجوههما‏)‏ ميتين أي أخذتهما الصعقة حين النفخة الأولى وهذا ظاهر في أن ذلك يكون لإدراكهما الساعة، ففيه رد لقول البعض أنه وقع في بعض الفتن حين خلت المدينة وبقيت ثمارها للعوافي وذلك في وقعة الحرة حين وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة في جيش إلى المدينة فقتل من فيها من بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التابعين وهم ألف وسبع مئة ومن الأخلاط عشرة آلاف‏.‏ قال السمهودي‏:‏ قال القرطبي وجالت الخيل في المسجد النبوي وبالت وراثت بين القبر والمنبر وخلت المدينة من أهلها وبقيت ثمارها للعوافي انتهى‏.‏ وذكر نحوه ابن حزم والخر السقوط يقال خر سقط سقوطاً يسمع منه خرير ذكره الراغب وغيره‏.‏ فإن قلت‏:‏ هل لإيثاره ‏"‏خر‏"‏ على سقط من فائدة‏؟‏ قلت‏:‏ أجل وهي التنبيه على اجتماع أمرين السقوط وحصول الصوت منه إشارة إلى أن فراق روحيهما لبدنيهما بعنف وشدة وسرعة خطفة من أثر تلك الصعقة التي لم تأت على مخلوق إلا جعلته كالرميم ونظيره قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يخرون للأذقان سجداً‏}‏ والوجه مجتمع حواس الحيوان وأحسن ما في الإنسان وموقع الفتنة من الشيء الفتان وهو أول ما يحاول ابتداؤه من الأشياء ذكره الحراني‏.‏ فإن قلت‏:‏ المناسب لقوله ‏"‏خرّاً ‏"‏ وما قبله تثنية الوجه فما وجه جمعه‏؟‏ قلت‏:‏ لعله أراد بالوجوه مقدم الأعضاء المقدمة فكل عضو له وجه وظهر فالسقوط يكون على كل مقدم من الأعضاء والوجه كما يراد به ما هو المتبادر يطلق ويراد به أشرف ما ظهر من الإنسان أو غيره كما تقرر‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الفتن ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وقال‏:‏ على شرطهما وأقره الذهبي لكن رمز المؤلف لحسنه ‏[‏ص 43‏]‏ فقط وهو قطعة من حديث رواه الشيخان لفظ برواية البخاري‏:‏ ‏"‏ستكون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي وآخر من يحشر‏"‏ إلى آخر ما هنا بنصه وقال القسطلاني وغيره‏:‏ وقوله ‏"‏وآخر‏"‏ إلى آخره يحتمل كونه حديثاً غير الأول لا تعلق له به وكونه من بقيته انتهى وسواء كان كلاً أو بعضاً فهو في الصحيح فاستدراك الحاكم له غير قويم كرمز المؤلف لحسنه فقط‏.‏

6 - ‏(‏آخر ما أدرك الناس‏)‏ من النوس وهو التحرك أو الأنس لأن بعضهم يأنس ببعض‏.‏ قال ابن الكمال‏:‏ والإدراك إحاطة الشيء بكماله ‏"‏والناس‏"‏ بالرفع في جميع الطرق كما في الفتح قال ويجوز نصبه أي مما بلغ الناس ‏(‏من كلام النبوة الأولى‏)‏ أي مما اتفق عليه الأنبياء لأنه جاء في زمن النبوة الأولى وهي عهد آدم واستمر إلى شرعنا إلى آخر ما وجدوا مأموراً به في زمن النبوة الأولى إلى أن أدركناه في شرعنا ولم ينسخ في ملة من الملل بل ما من نبي إلا وقد ندب إليه وحث عليه ولم يبدل فيما بدل من شرائعهم ففائدة إضافة الكلام إلى النبوة الأولى الإشعار بأن ذلك من نتائج الوحي ثم تطابقت عليه العقول وتلقته جميع الأمم بالقبول‏.‏ ذكره جمع‏.‏ وقال القاضي‏:‏ معناه أن مما بقي فأدركوه من كلام الأنبياء المتقدمين أن الحياء هو المانع من اقتراف القبائح والاشتغال بمنهيات الشرع ومستهجنات العقل وذلك أمر قد علم صوابه وظهر فضله واتفقت الشرائع والعقول على حسنه وما هذه صفته لم يجر عليه النسخ والتبديل وقيد النبوة الأولى إيذاناً باتفاق كلمة الأنبياء على استحسانه من أولهم إلى آخرهم ‏(‏إذا لم تستح‏)‏ أيها الإنسان وهو بمثناة تحتية واحدة آخره ‏(‏فاصنع ما شئت‏)‏ أمر بمعنى الخبر أي إذا لم تخش من العار عملت ما شئت لم يردعك عن مواقعة المحرمات رادع وسيكافئك اللّه على فعلك ويجازيك على عدم مبالاتك بما حرمه عليك‏.‏ وهذا توبيخ شديد فإن من لم يعظم ربه ليس من الإيمان في شيء أو هو للتهديد من قبيل‏:‏ ‏"‏اعملوا ما شئتم‏"‏ أي اصنع ما شئت فسوف ترى غيه كأنه يقول إذ قد أبيت لزوم الحياء فأنت أهل لأن يقال لك افعل ما شئت وتبعث عليه ويتبين لك فساد حالك أو هو على حقيقته ومعناه إذا كنت في أمورك آمناً من الحياء في فعلها لكونها على القانون الشرعي الذي لا يستحي منه أهله فاصنع ما شئت ولا عليك من متكبر يلومك ولا من متصلف يستعيبك فإن ما أباحه الشرع لا حياء في فعله‏.‏ وعلى هذا الحديث مدار الإسلام من حيث إن الفعل إما أن يستحيا منه وهو الحرام والمكروه وخلاف الأولى واجتنابها مشروع أولاً وهو الواجب والمندوب والمباح وفعلها مشروع وكيفما كان أفاد أن الحياء كان مندوباً إليه في الأولين كما أنه محثوث عليه في الآخرين وقد ثبت أنه شعبة من الإيمان أي من حيث كونه باعثاً على امتثال المأمور وتجنب المنهي لا من حيث كونه خلقاً فإنه غريزة طبيعية لا يحتاج في كونها شعبة منه إلى قصد‏.‏ قال الطبراني‏:‏ وقد ذكر النووي أن قانون الشرع في معنى الحياء لا يحتاج إلى اكتساب ونية فينبغي حمل الحديث على هذا المعنى والقانون فيه أنك إذا أردت أمراً أو اكتساب فعل وأنت بين الإقدام والإحجام فيه فانظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحيا منه من الله ولا من أنبيائه قديماً وحديثاً فافعله ولا تبالي من الخلق وإن استحيت منهم وإلا فدعه‏.‏ فدخل الحديث إذاً في جوامع الكلم التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد عده العسكري وغيره من الأمثال وقد نظم بعضهم معنى الحديث فقال‏:‏

إذا لم تخش عاقبة الليالي * ولم تستحي فاصنع ما تشاء

والحياء انقباض يجده الإنسان في نفسه يحمله على عدم ملابسة ما يعاب به ويستقبح منه ونقيضه التصلف في الأمور وعدم المبالاة بما يستقبح ويعاب وكلاهما جبلي ومكتسب لكن الناس ينقسمون في القدر الحاصل منهما على أقسام فمنهم من جبل على الكثير من الحياء ومنهم من جبل على القليل ومنهم من جبل على الكثير من التصلف ومنهم من جبل على القليل ثم إن أهل الكثير من النوعين على مراتب وأهل القليل كذلك فقد يكثر أهل النوعين حتى يصير نقيضه كالمعدوم ثم هذا الجبلي سبب في تحصيل المكتسب فمن أخذ نفسه بالحياء واستعمله فاز بالحظ الأوفر ومن تركه فعل ما شاء وحرم ‏[‏ص 44‏]‏ خيري الدنيا والآخرة

- ‏(‏ابن عساكر في تاريخه‏)‏ تاريخ الشام ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ عقبة بن عمرو بن ثعلبة ‏(‏البدري‏)‏ الأنصاري قال البخاري وإسناده ضعيف لضعف فتح المصري لكن يشهد له ما رواه البيهقي في الشعب عن أبي مسعود المذكور بلفظ إن آخر ما بقي من النبوة الأولى والباقي سواء بل رواه البخاري عن ابن مسعود بلفظ إن مما أدرك الناس إلى آخر ما هنا‏.‏

7- ‏(‏آخر ما تكلم به إبراهيم‏)‏ أعجمي معرب أصله إبراهام على ما نقل عن سيبويه لكن في القاموس إبراهيم وإبراهام وإبراهوم مثله الهاء وإبرهم بفتح الهاء بلا ألف اسم أعجمي‏.‏ قال ابن الكمال‏:‏ وعليه لا يكون إبراهيم معرباً‏.‏ وقال المحقق في شرح المختصر‏:‏ إجماع أهل العربية على منع صرف إبراهيم ونحوه للعلمية والعجمة يوضح ما ذكرناه من وقوع المعرب فيه يعني القرآن ‏(‏حين ألقي‏)‏ بالبناء للمفعول أي ألقاه نمروذ ‏(‏في النار‏)‏ التي أعدها له ليحترق وكان عمره ستة عشر سنة على ما في الكشاف وتاريخ ابن عساكر‏.‏ والإلقاء كما قال الراغب طرح الشيء حيث يلقاه، ثم صار في التعارف اسماً لكل طرح والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق من نار ينور إذا نفر لأن فيها حركة واضطراباً والنور ضوءها وضوء كل نير والإضاءة الإنارة ذكره الزمخشري ‏(‏حسبي الله‏)‏ مبتدأ وخبر أي كافيني وكافلني هو الله من أحسبه الشيء كفاه ‏(‏ونعم‏)‏ كلمة مبالغة تجمع المدح كله ذكره الحرّاني‏.‏ وقال الراغب‏:‏ كلمة تستعمل في المدح بإزاء بئس ‏(‏الوكيل‏)‏ أي نعم الموكول إليه الله تعالى وذلك لأن الخليل لعلوّ منصبه وسموّ مقامه وشموخ همته لم يشخص أمله لشيء سوى ربه ولم يرض بإسعاف أحد غيره بل قصر نظره عليه وأعرض عن الأسباب والعدد ضارباً عنها صفحاً واغتنى بمسببها كافياً وحسيباً فإنه تعالى جعل لكل شيء عدة يدفع بها فللبغي التحرز والتحفظ وللمكر الحزم والتيقظ وللحسد التواضع للحاسد ومداراته وللكائد سد الأبواب التي يجد منها السبيل إليه فرأى هذا النبي الجليل السيد الخليل أن الله أكبر من تلك العدد والأسباب فاغتنى به كافياً وحسيباً فكان له حافظاً ورقيباً فشمله بالإسعاد والإسعاف فلم يحترق منه إلا موضع الكتاف وفيه ندب إلى اعتقاد العجز واستشعار الافتقار والاعتصام بحول الله وقوّته وأن الحازم لا يكل أمره إذا ابتلي ببلاء إلا إلى ربه ولا يعتضد إلا به وفي الخبر أنه إنما نجي بذلك ‏.‏

<فائدة> من كرامة هذه الأمة على ربها أنه أوجد فيها من وقع له كما وقع للخليل من عدم تأثير النار فيه‏.‏ روى ابن وهب عن ابن لهيعة أن الأسود العنسي لما ادّعى النبوة وغلب على صنعاء أخذ ذؤيب بن كليب الخولاني - وكان أسلم في عهد المصطفى - فألقاه في النار فلم تضره النار فذكر المصطفى ذلك لأصحابه فقال عمر‏:‏ الحمد لله الذي جعل في أمتنا مثل إبراهيم الخليل‏.‏ ووقع عند ابن الكلبي أنه ذؤيب بن وهب‏.‏ وقال في سياقه طرحه في النار فوجده حياً

- ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة محمد بن يزداد ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ الدوسي ‏(‏وقال‏)‏ أي الخطيب حديث ‏(‏غريب‏)‏ أي تفرد به حافظ ولم يذكره غيره ورواه عنه أيضاً الديلمي هكذا ‏(‏والمحفوظ‏)‏ عند المحدثين ‏(‏عن‏)‏ أبي العباس عبد الله ‏(‏ابن عباس‏)‏ ترجمان القرآن الذي قال فيه عليّ كرم الله وجهه كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق وأخرج ابن عساكر أنه كان يسمى حكيم المعضلات ولم يرو عن أحد من الصحابة في الفتوى أكثر منه وعمي آخر عمره كأبيه وجدّه ‏(‏موقوف‏)‏ عليه غير مرفوع لكن مثله لا يقال من قبل الرأي فهو في حكمه وهذا الموقوف صحيح فقد أخرجه البخاري في صحيحه عنه بلفظ‏:‏ كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار حسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏ وفي رواية له عنه أيضاً‏:‏ حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم‏.‏

‏[‏ص 45‏]‏ 8- ‏(‏آخر أربعاء‏)‏ بالمد وكسر الموحدة على الأشهر‏.‏ قال في المصباح‏:‏ ولا نظير له في المفردات وإنما يأتي وزنه في الجموع وبعض بني أسد يفتح الباء والضم لغة قليلة انتهى‏.‏ وبه عرف أن من تعقب النووي والرضي في قولهما أنه مثلث الباء فقد وهم‏.‏ وسمي أربعاء لأن الرابع واحد من أربعة وهو رابع الأيام من الأحد الذي هو أوّل الأسبوع على الأرجح أشار إليه الراغب قال‏:‏ ويسمى في الجاهلية دبار لتشاؤمهم به والدبار الهلاك‏.‏ قال والألف فيه وفي الثلاثاء بدل من الهاء نحو حسن وحسنة وحسناء فخص اللفظ باليوم ‏(‏في الشهر‏)‏ لفظ رواية الخطيب من الشهر والشهر من الشهرة يقال أشهر الشهر إذا طلع هلاله وأشهرنا دخلنا في الشهر سمي به لشهرته وظهوره‏.‏ قال الراغب الشهر مدة مشهورة بإهلال الهلال أو باعتبار جزء من اثني عشر جزءاً من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة وقال الإمام الرازي كالحكماء هو عبارة عن حركة القمر من نقطة معينة من فلكه الخاص به إلى أن يعود إلى تلك النقطة بعينها ‏(‏يوم نحس‏)‏ بالإضافة على الأجود أي شؤم وبلاء ‏(‏مستمر‏)‏ مطرد شؤمه أو دائم الشؤم أو مستحكمه وروي ‏"‏يوم نحس‏"‏ بالرفع والتنوين فيهما ومستمر نعت لنحس أو ليوم أو عطف بيان أو بدل‏.‏ واليوم لغة عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها من الزمن وشرعاً ما بين طلوع الفجر الثاني والغروب قال محقق‏:‏ وفاؤه ياء وعينه واو‏.‏ وقال في البحر‏:‏ وليس قوله ‏"‏نحس‏"‏ على جهة الطيرة وكيف يريد ذلك والأيام كلها لله‏.‏ وقد جاء في تفضيل بعض الأيام على بعض أخبار كثيرة وهو من الفأل الذي كان يحبه‏.‏ وأما الطيرة فيكرهها وليست من الدين بل من فعل الجاهلية وقول الكهان والمنجمين فانهم يقولون يوم الأربعاء يوم عطارد وعطارد نحس مع النحوس سعد مع السعود وقولهم خارج عن الدين ويجوز كون ذكر الأربعاء نحس على طريق التخويف والتحذير أي احذروا ذلك اليوم لما نزل فيه من العذاب وكان فيه من الهلاك وجددوا لله توبة خوفاً أن يلحقكم فيه بؤس كما وقع لمن قبلكم وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة فزع إلى الصلاة حتى إذا نزل المطر سري عنه ويقول ما يؤمنني أن يكون فيها عذاب كما وقع لبعض الأمم السابقة فكان يحذر أمته من مثل ما قال أولئك‏:‏ ‏{‏هذا عارض ممطرنا‏}‏ فأتاهم بخلاف ما ظنوا قال تعالى‏:‏ ‏{‏بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم‏}‏ وكما قال حين أتى الحجر‏:‏ لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين‏"‏ وكما رغب في يوم عاشوراء لما جعل الله فيه من نجاة موسى وبني إسرائيل من فرعون حذر من يوم الأربعاء لما كان فيه انتهى‏.‏ وقال السهيلي نحوسته على من تشاءم وتطير بأن كان عادته التطير وترك الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تركه وتلك صفة من قل توكله فذلك الذي تضره نحوسته في تصرفه فيه‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ التطير مكروه كراهة شرعية إلا أن الشرع أباح لمن أصابه في آخر أربعاء شيء من نحو جائحة أن يدع التصرف فيه لا على جهة الطيرة واعتقاد أنه يضره أو يصيبه فيه فقر أو بؤس بل على جهة اعتقاد إباحة الإمساك فيه لما كرهته النفس لا ابتغاء التطير ولكن إثباتاً للرخصة في التوقي فيه لمن شاء مع وجوب اعتقاد أن شيئاً لا يضر شيئاً‏.‏ وقال الحليمي‏:‏ علمنا ببيان الشريعة أن من الأيام نحساً والذي يقابل النحس السعد فإذا ثبت أن بعض الأيام نحس ثبت أن بعضها سعد والأيام في هذا كالأشخاص منها مسعودة ومنها منحوسة ومن الناس شقي وسعيد فإذا أضاف أحد إلى الأيام أو الكواكب أنها تسعد باختيارها أوقاتاً أو أشخاصاً أو تنحسها فذلك باطل وإن قال‏:‏ إن الكواكب طبائع وأمزجة مختلفة وتلك تتغير منها باتصال بعضها ببعض وانفصال بعضها عن بعض فطرة فطرها الله تعالى عليها تتأدى بتوسط النيرين إلى الأرض وما فيها فأي شيء منها كان هو المتأدى إلى الأجسام الأرضية كانت الآثار التي تحدث فيها عنه بحسبها فقد يكون منها ما هو سبب للاغتنام ما هو سبب للصحة والسلامة وما هو سبب لحسن الخلق وبذل المعروف والإنصاف والرغبة في الخير وما هو سبب للقبائح والظلم والإقدام على ‏[‏ص 46‏]‏ الشر فهذا يكون لكنه بفعل الله وحده انتهى‏.‏

وأخرج الخطيب في التاريخ في ترجمة ابن مجاشع المدائني أن علياً كرم الله وجهه كره أن يتزوج الرجل أو يسافر في المحاق أو إذا نزل القمر العقرب‏.‏ قال‏:‏ والمحاق إذا بقي من الشهر يوم أو يومان وفي الفردوس عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعاً ‏:‏ ‏"‏لولا أن تكره أمتي لأمرتها أن لا يسافروا يوم الأربعاء وأحب الأيام إليّ الشخوص فيها يوم الخميس‏"‏‏.‏ وبيض ولده لسنده‏.‏ وأما حمل الحديث على الأربعاء الذي أرسل فيه الريح على عاد بخصوصه فمناف للسياق مع أنه لا يلزم من تعذيب قوم فيه كونه نحساً على غيرهم وحمله على أنه نحس على المفسدين لا المصلحين هلهل بالمرة إذ لا اختصاص للأربعاء به وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن عدي وتمام في فوائده عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه مرفوعاً‏:‏ ‏"‏يوم السبت يوم مكر وخديعة ويوم الأحد يوم غرس وبناء ويوم الاثنين يوم سفر وطلب رزق ويوم الثلاثاء يوم حديد وبأس ويوم الأربعاء لا أخذ ولا عطاء ويوم الخميس يوم طلب الحوائج والدخول على السلاطين ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح‏"‏‏.‏ قال السخاوي‏:‏ وسنده ضعيف وذكر الزمخشري أن يزيداً قال لأخيه‏:‏ اخرج معي في حاجة فقال‏:‏ هو الأربعاء‏.‏ قال‏:‏ فيه ولد يونس‏.‏ قال‏:‏ لا جرم قد بانت به بركته في اتساع موضعه وحسن كسوته حتى خلصه الله‏.‏ قال‏:‏ وفيه ولد يوسف‏.‏ قال‏:‏ فما أحسن ما فعل به إخوته حتى طال حبسه وغربته‏.‏ قال‏:‏ وفيه نصر المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب‏.‏ قال‏:‏ أجل ولكن بعد أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر‏.‏ وفي بعض الآثار النهي عن قص الأظافر يوم الأربعاء وأنه يورث البرص قال في المطامح‏:‏ وأخبر ثقة من أصحابنا عن ابن الحاج وكان من العلماء المتقين أنه هم بقص أظافره يوم الأربعاء فتذاكر الحديث الوارد في كراهته فتركه ثم رأى أنها سنة حاضرة فقصها فلحقه برص فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه فقال له‏:‏ ألم تسمع نهيي عن ذلك‏:‏ فقال‏:‏ يا رسول الله لم يصح عندي الحديث عنك‏.‏ قال‏:‏ يكفيك أن تسمع ثم مسح بيده على بدنه فزال البرص جميعاً‏.‏ قال ابن الحاج‏:‏ فجددت مع الله سبحانه وتعالى توبة أن لا أخالف ما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً‏.‏ والحاصل أن توقي يوم الأربعاء على جهة الطيرة وطن اعتقاد المنجمين حرام شديد التحريم إذ الأيام كلها لله تعالى لا تضر ولا تنفع بذاتها وبدون ذلك لا ضير ولا محذور ومن تطير حاقت به نحوسته ومن أيقن بأنه لا يضر ولا ينفع إلا الله لم يؤثر فيه شيء من ذلك قال‏:‏

تعلم أنه لا طير إلا * على متطير وهو الشرور

وفي حديث رواه ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعاً وخرجه الحاكم من طريقين آخرين‏:‏ ‏"‏لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء‏"‏ وكره بعضهم العيادة يوم الأربعاء‏.‏ وعليه - قيل‏:‏ لم يؤت في الأربعاء مريض إلا دفناه في الخميس‏.‏ وفي منهاج الحليمي وشعب البيهقي أن الدعاء يستجاب يوم الأربعاء بعد الزوال‏.‏ وذكر برهان الإسلام في تعليم المتعلم عن صاحب الهداية أن ما بدئ شيء يوم الأربعاء إلا وتم فلذلك كان جمع من الشيوخ يتحرون ابتداء الجلوس للتدريس فيه وذلك لأن العلم نور فبدايته يوم خلق النور فيه تناسب معنى على التمام، واستحب بعضهم غرس الأشجار فيه لخبر ابن حبان والديلمي عن جابر مرفوعاً‏:‏ ‏"‏من غرس يوم الأربعاء فقال‏:‏ سبحان الباعث الوارث أتته بأكلها‏"‏ قالوا‏:‏ ولما أرسل ملك الروم كتابه إلى المعتصم يتهدده كتب على ظهر الجواب ما تراه لا ما تسمعه وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار وقام فخرج من فوره في وقته يوم الأربعاء ولم يدخل بيته فمنعه المنجمون وقالوا‏:‏ الطالع نحس فقال‏:‏ عليهم لا علينا وسار فيه فأسر ستين ألفاً وقتل ستين ألفاً وكانت وقعة أعزّ الله فيها الإسلام وأهله‏:‏ قال الحافظ ابن حجر‏:‏ غضب السلطان على الكمال البارزي كاتم السر ثم رضي عنه وخلع عليه يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثمان مئة وركب في موكب لم ير مثله فاجتمع فيه خمس أربعات والثمان مئة تشتمل على أربعمائتين انتهى‏.‏ واعلم أنهم كما كانوا ينفرون من يوم الأربعاء كانوا ينفرون من يوم الأحد‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ صبح ثمود العذاب يوم الأحد‏.‏ قال‏:‏ وفي الأثر نعوذ بالله من يوم الأحد فإن له حداً كحد السيف‏.‏ وكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد أن يوجه عبد الله بن حازم إلى خراسان لمعونة مسلم بن زياد فقال عبيد الله أخرجوه يوم الأحد إذا ضرب الناقوس حتى لا يرجع للأبد فأحس ابن حازم فتعلل حتى لم يخرج إلا حتى زاغت الشمس‏.‏ وقال‏:‏ قولوا له ذهب حد الأحد، وكما ورد في يوم الأربعاء النحوسة ‏[‏ص 47‏]‏ ورد في الثلاثاء أنه مكروه ففي الفردوس من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏"‏خلق الله الأمراض يوم الثلاثاء‏.‏ وفيه أنزل إبليس إلى الأرض، وفيه خلق الله جهنم، وفيه سلط الله ملك الموت على أرواح بني آدم، وفيه قتل قابيل هابيل، وفيه توفي موسى وهارون، وفيه ابتلي أيوب‏"‏ الحديث بطوله وفي ترجمة العلم للبلقيني عن بعضهم أن من المجرب الذي لم يخطئ قط أنه متى كان اليوم الرابع عشر من الشهر القمري يوم الأحد وفعل فيه شيء لم يتم وكذا للسفر وغيره وأن ذلك وقع للناصر فرج وغيره‏.‏ وقد أخر بعضهم السفر في أول السنة وقال إن سافرت في المحرم فجدير أن أحرم أو في صفر خشيت على يدي أن تصفر فأخره إلى ربيع فسافر فمرض ولم يظفر بطائل فقال ظننته ربيع الرياض فإذا هو ربيع الأمراض وفي المثل السائر‏:‏ ‏"‏لا تعادي الأيام فتعاديك‏"‏ قال‏:‏

ومن غالب الأيام فاعلم بأنه * سينكص عنها لاهياً غير غالب